"نيويورك تايمز" تنقلُ صوراً من أعطابِ مستشفياتِ المغرب ومآسيهَا
ذاتَ فجرٍ من شهرَ ينايرَ المنصرم، كانَ العمَّالُ منهمكينَ على طريق سباتَة بِالدَّار البيضاء فِي جمعِ النفايات وصبغِ الجدران المتداعيَة وغرسِ بعض الشجيرات، والسرُّ في الحركيَّة الاستثنائية هوَ السعيُ إلى إضفاءِ رونقٍ وزينةٍ علَى مستَشفَى ابن رشد.
تهيئة المكان كانتْ لأجل تداركِ الزيارة المفاجئة للملك محمد السادس، حيثُ كانَ من المزمع أن يأتِي لتدشين الجناح الجديد لمركز العلاج من السرطان، الذِي ستبثُ وقائعهُ على التلفزيون العمومي. بيدَ أنَّ شيئاً لم يتمَّ القيامُ بهِ فِي الواقع لأجل إخفاءِ حقيقةِ منظومةِ الصّحة في المغرب، التي أكَّدَ وزيرُ الصحة الحسين، الوردي، بعظمة لسانه، أنَّ واقعَ الاستشفاءِ بها لا يستجيبُ للمعايير المطلوبة.
المستشفياتُ العموميَّة في المغرب، تعانِي أعطاباً شتَّى، لعلَّ أبرزهَا تهالكُ مبانيها، والنقص علَى مستوَى الأطر، والتجهيز، وكذَا الأدويَة، بحيث أنَّ أقلَ من 30% من النَّاس في المغرب هم المشمولون بالتغطية الصحيَّة. في الوقتِ الذِي تنفقُ فيه الحكومةُ المغربيَّة أزيد من 5 مليارات دولار سنوياً علَى قطاعِ الصحة، فوفقَ قانون الماليَّة لعامِ 2013، توجهُ نسبةُ 3.2% من الميزَانيَّة للصحة.
فِي غضونِ ذلك، تظهرُ أرقام البنك الدولي، بلوغَ نفقات الصحة، خلال السنة الماضية، ما قدره 6.5 في المائة من مجمل النفقات العموميَّة، بخلافِ 8.12% فِي الجزائر، و6.2 في تونس. وتتشكلُ النفقات المذكورة، مما تقدمه الدولة والجهات، زيادةً علَى دعمِ المنظمات الدُوليَّة.
وإنْ نحن قسنَا ما تنفقهُ الدولة على صحة المواطن في المغرب، وجدنَاهُ في حدودِ 147 دولاراً، بخلافِ الجزائر وتونس، اللتين تنفقان على التوالِي، 186 و246 دولاراً على الفرد الواحد في مجال الصحة، دائماً وفقَ الأرقام التِي قدمها البنكُ الدولي. وسواء كانت هذه المستويات مقبولةً أم لَا، فإن منتقدِي قطاع الصِّحة يرونَ أنَّ الموارد المعبأة للصحة لا تستَجيبُ لما يمليهِ الوضع.
أسوأ المراكز الصحيَّة بالمغرب، توجدُ في الدَّار البيضاء، إلَّا أنَّ بعض المناطق القرويَّة لا يوجدُ بها حتَّى مستوصف للقرب. يقول محمد ناصرِي بنَّانِي، الأمين العام لنقابة أطباء القطاع الخاص. مضيفاً أنَّ هناكَ نقصاً على مستوى الأطر والتجهيزات، في وقتٍ لا تبدِي فيه الدولة إرادة كبيرة لتحسين الوضع الحالي".
وعليه فإنهُ فِي اليوم الذِي قرر فيه العاهل المغربي زيارة مستشفَى ابن رشد، الذِي يعدُّ بمثابة واجهة لمنظومة الصحة في المغرب، كانت سيدة بمركز مجاور لتحاقن الدم، تنبهُ الأطر العاملة فيه، إلى أنَّ والدتهَا ترقدُ منذُ نصفِ ساعة بمركز استشفائي آخر، وبأنها مضطرةٌ إلَى شراء الدم حتَّى يجريَ الأطباءُ عمليَّة لهَا.
"المستشفى الذِي توجدُ به والدتي ليسَت بمخزونه أكياس الدم، شأْن مركز تحاقن الدم أيضا"، تقول نورة، ذات الثلاثين ربيعاً، مردفةً " لقد تبرعنا بدمنا وننتظرُ منذُ ساعاتٍ كميَّة الدمِ التِي لا نزالُ في حاجةٍ إليهَا، وَالتِي ستعرضُ والدتِي للوفاة في حالْ لم تتوفر في أقرب الآجال".
علَى بعدِ كيلومترات من المركز المذكور، تقولُ سيدة سبعينيَّة اسمها "حادة"، إنَّ سارةً صدمتها. ولا تزالُ تنتظرُ الفحص فوقَ سرير قديمٍ بدونِ غطاءِ، تتوسلُ العاملين بالمستشفَى حقنةً تخففُ عنهَا الألم. إلَّا أنَّ الطبيبَ الموجودَ في عين المكان، يقولُ إنَّ مخزون المستشفى من مسكنات الآلام جدُّ محدود، ويتمُّ تركه للجرحَى الذِين يأتونَ إلَى المستشفَى في أوضاعٍ حرجة".
فِي مستشفَى بوافِي في الدار البيضاء، لا توجدُ وحدات للعناية المركزة، كما لا يوجدُ جناحِ للجراحة، لا تزالُ لوحة إرشادات بجانب بابه، تقولُ إنَّ أشغال التأهيل جاريَة منذُ 2011، إلَّا أنَّ لا شيءَ يشي بأنَّ كل ما تم القيام به من أشغال استهدفَ تأهيل المرفق. في وقت الذِي يؤكدُ فيه مستخدمُو المركز، أنَّ المرضَى الذين تتطلبُ حالاتهم عملياتٍ جراحيَّة تمَّ تحويلهم إلى مستشفياتٍ أخرَى في المدينة.
خارج المستشفى، يتسولُ المرضَى بوصفات الأدويَة مالاً يعينهم على ابتياع أدوية يحتاجونَ إليهَا. وداخله، يلجأ بعض المرضى إلى "تدويرة" قدرها 10 أو عشرون درهماً، حتَّى يتخطوا صفَّ الانتظار. علماً أنَّ مختبرَ المستشفَى لا يؤمن إلا عدداً محدودا من التحليلات للمرضَى.
"حينَ يفدُ على المستشفَى طفلُ يعانِي المينانجيت، علينا أن نقوم بالبزل القطنِي (فحصٌ يستخدمُ لاستخراج وفحص السائل النخاعِي)، إلا أننا لا نستطيع القيامَ به، لأننا لا نتوفرُ على الأجهزة اللازمة لإجرائه، يقول طبيبٌ رفضَ الكشفَ عن اسمه لمَا قد يجلبه له التصريح من متاعب، مضيفاً أنَّ عدم إجراء البزل القطنِي يجعلُ الطبيب يعتمدُ على حدسه في تقدير ما إذَا كانَت حالةُ الطفل حرجةً أم أنها غيرَ ذلكَ.
فِي ممشى المستشفى، يتحدثُ أطباء في طور التكوين، عن رضيع عانَى اضطرابات تنفسيَّة، استدعت أجهزة غير متوفرة، لم يجدْ الأطباء في غيابها حلاً سوى تدليك صدره، إلَى أن لفظَ أنفاسه. كما أنَّ بعض الأجهزة المسؤولة عن الإرشادات لاتعمل بالأحرى، يقول أحد الأطباء، فإحداها أظهرت أنَّ نبضات القلب بلغت 265، وهو أمرٌ غير ممكن، فيمَا كانَ الرضيعُ قد غادرَ الحياةَ.
الانتقادات الموجهة إلى المنظومة الصحية، تشيرُ إلى كونها مشلولةً بالفساد، وفقَ ما كانتْ الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قد أبانت عنه، حينَ كشفت أنَّ ثلاثة أشخاص من أصل عشرة صرحُوا أنهم لجؤوا إلى الرشوة حتَّى يستفيدُوا من الخدمات بالمستشفَى، واستعارُ الرشوة في المستشفيات واستفحالها بين الأطباء والممرضين، مردهُ حسبَ ما يورده الدكتور ناصرِي بناني، إلى تدنِي رواتبهم.
أمَّا أقسامُ المستعجلات، فقالَ وزير الصحة في الآونة الأخيرة، إنهَا في حاجة إلى علاج بالصدمة، نظراً لوضع يرُثَى لهُ، تعيشه خدماتها، على نحوٍ باتَ يفرضُ اتخاذَ إجراءات حاسمة لتأهيلهَا.
إيفيس سوتيراند، ممثل منظمة الصحة العالميَّة بالمغرب، يرَى أنَّ منظومة الصحة بالمغرب شهدت تحسناً خلالَ العقد الأخير. من خلال تقدم عدد المستفيدين من التغطية الصحيَّة، وتراجع عدد وفيات الرضع عند الولادة. بيدَ أنَّ أمام المسؤولين القيامُ بالكثير في المستقبل. سيمَا فيمَا يتعلقُ برفع عدد المستخدمين في المستشفيات، وتعميم الخدمات الصحية في العالم القروي، والرفع من جودة العلاج.
وحسبَ أرقام وزارات الصحة، بالدول المغاربية الثلاث، المغرب والجزائر وتونس، فإنَّ المغرب يتوفرُ على طبيبٍ واحد لكل 1600 نسمة، بينمَا تتوفرُ تونس على طبيبٍ واحد لـ800 نسمة، وتصلُ النسبة إلى طبيب واحد لكل 600 نسمَى في الجزائر.
النقص على مستوَى الأطر، يُرْصدُ في مستشفى بوافِي، حيثُ يضطرُ الأطباء الداخليون أو المقيمون إلى علمِ ساعات إضافيَّة ليلا، حيثُ يقول طبيب متدرب "في بعض الأحيان أظلُّ وحيداً في الليل بالمستشفَى، وبمَا أنني لا زلتُ حديث العهد بالميدان وتعوزني الخبرة، فإننِي الخشية تتملكنِي، وأنَا آملُ ألا أشهدَ علَى وفاةٍ مريضٍ على مرأى من عينِي".
المصدر / نيُويورك تايمزـ ترجمة: هشام تسمارت
الثلاثاء 02 أبريل 2013 - 17:00
"نيويورك تايمز" تنقلُ صوراً من أعطابِ مستشفياتِ المغرب ومآسيهَا
مراجعة أسرة التمريض
يوم
6:33 م
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات: