آخر المواضيع

تمريض

الصدمة : أنواعها و تدبيرها

الصدمة



حالة مرضية تنتج عن نقص تروية الأنسجة المختلفة بالدم، وهي حالة شائعة وخطيرة إذ يُـقدر عدد الأشخاص الذين يصابون بها بنحو 500ألف كل عام في الولايات المتحدة، وينتهي نصف هذا العدد بالوفاة. يؤدي نقص التروية إلى اضطراب التوازن بين حاجة الأنسجة من الأكسجين والغذيات nutrients وبين الوارد منها، مما يسبب خللاً في عمل الخلايا يفضي إلى موتها.

تتميز حالة الصدمة بانخفاض الضغط الدموي، إذ يصل الضغط الوسطي إلى 60 ملم زئبق أو أقل من ذلك، إلا أن تقبض الأوعية الدموية المرافق قد يحجب هذا الانخفاض في ضغط الدم في الساعات الأولى من الإصابة.

تنجم المظاهر السريرية للصدمة عن ارتكاس الجملة العصبية الودية sympathetic  والجملة الهرمونية، لهبوط الضغط الدموي وما يتلوه من نقص التروية من جهة، وانهيار وظيفة الأعضاء المختلفة التالي لخلل عمل الخلايا من جهة ثانية. ينبه هبوط الضغط الدموي وما ينتج عنه من نقص النتاج القلبي cardiac output  مستقبلات الضغط الموجودة في الأوعية الدموية التي تنبه بدورها الجملة العصبية الودية، وتحرض إفراز الكاتيكولامينات (الأدرينالين adrenaline والنورأدرينالين  noradrenalin ) من لب الكظر. وينتج من ذلك كله تسرع القلب وتقبض الأوعية الذي يتناول الشرينات arterioles بشكل خاص مما يساعد على رفع الضغط الدموي المنخفض وزيادة نتاج القلب. يؤدي نقص تروية الكلية من جهة أخرى إلى تحريض إفراز الرينين renin الذي يعمل على تفعيل جملة الانجيوتنسين angiotensin وانقلابه إلى الشكل الفعال الذي يقبض الأوعية بشدة، ويسهم في رفع الضغط المنخفض، وينبه إفراز الالدوسترون aldosterone من قشر الكظر adrenal cortex الذي يعمل على حبس الصوديوم والماء مما يساعد على استعادة حجم الدم.

تترافق حالة الصدمة أيضاً بزيادة إفراز بعض الهرمونات النخامية pituitary مثل الهرمون المنشّط لغدّة الكظر ACTH الذي يحرض إفراز الكورتيزول cortisol الحابس للسوائل، وهرمون الفازوبرسين vasopressin المقبض للأوعية والمضاد للإدرار.

يؤدي الخمج الوخيم أو تموّت جزء كبير من الأنسجة ـ كما يحصل بعد الرضوض الواسعة والعمليات الجراحية الكبيرة ـ إلى تفعيل الكريات البيض بشدة، وإطلاق أنواع متعددة من الوسطاء mediators الكيميائية التي تفيد في مقاومة الخمج ومكافحة الأنسجة المتموتة، أما إذا تجاوز مقدار هذه الوسطاء حداً معيناً وعمَّ تأثيرها سائر نواحي الجسم كان لها فعل سيّئ على عمل الأعضاء المختلفة، مما يزيد من شدة أعراض الصدمة وخطورتها, يذكر من هذه الوسطاء السيتوكينات، وعامل النخر الورميTNF، والعامل المفعل للصفيحات PAF) platelets) والبروستاغلاندينات prostaglandins وغيرها من مشتقات حمض اراكيدونيك arachidonic . مثل اللوكوترين leukotriene والترومبوكسان thromboxane. ويبقى الذيفان الداخلي endotoxin الذي تفرزه الجراثيم السلبية الغرام أهم العوامل المسببة للصدمة الخمجية.

يصنف بعض الخبراء الصدمة بحسب آلية حدوثها وفق ثلاثة أنماط:

ـ صدمة نقص الحجم hypovolumic shock :

تحدث عندما يفقد الشخص كمية كبيرة من الدم في زمن قصير، ويقع ذلك حينما يصاب بجرح أو رض يمزق أحد الأوعية المهمة، أو عندما تنزف القروح الموجودة في أحد الأعضاء ولاسيما في الأنبوب الهضمي. كما تحدث صدمة نقص الحجم في حالة فقدان الجسم كمية كبيرة من السوائل بسرعة كما هو الأمر في الإسهالات الحادة الوخيم. لا يتلقى القلب في كل هذه الحالات كمية كافية من الدم لذا فهو يضخ كمية قليلة منه في كل دقة، ويحاول البدن التعويض عن هذا النقص في نتاج القلب بزيادة سرعة الضخ وتقبض الأوعية، إلا أن ذلك يبقى دون المستوى المطلوب، ويهبط الضغط الدموي، ولا تصل إلى الأنسجة الكمية الكافية من الاكسجين والغذيات.

ـ الصدمة القلبية المنشأ cardiogenic shock :

 تحدث عندما يضطرب عمل القلب ولايستطيع ضخ الدم بشكل سوي. ويحصل ذلك حينما ينسد أحد الشرايين الإكليلية coronary (القلبية) بالخثرة ويتوقف وصول الدم إلى المنطقة التي يغذيها الشريان المسدود مما يجعل القلب عاجزاً عن العمل على نحو سوي. ويحدث الأمر نفسه في حالة اضطراب نظم القلب ـ أي تسرع القلب الشديد أو بطؤه الشديد ـ أو فشل الدسامات القلبية في الانغلاق بإحكام. لا يستطيع القلب في كل هذه الحالات ضخ الكمية التي تحتاج إليها الأنسجة من الدم على الرغم من وجود كمية كافية منه.

ـ صدمة التوسع الوعائي vasodilatory shock أو صدمة توزيع الدم distributive shock :

تحدث عندما تفشل الأوعية الدموية، وخاصة الشرينات arterioles ، في التقبض بشكل ملائم استجابة للمنبهات الواردة من الجملة العصبية الودية والهرمونات المختلفة المقبضة للأوعية. يحدث ذلك عند المصابين بصدمة نقص الحجم أو الصدمة القلبية المنشأ إذا طال أمدهما ولم تستجيبا للمعالجة. أما السبب الأكثر مصادفة لصدمة التوسع الوعائي فهو إنتان الدم septicemia ولاسيما ما كان سببه الجراثيم السلبية الغرام أو الفطور، إلا أنها تحدث أيضاً في بعض الأمراض غير الخمجية مثل التهاب المعثكلة (البنكرياس) الحاد الوخيم والرضوض الواسعة، وفي الصدمة التأقية anaphylactic shock (أو صدمة فرط التحسس). يقدر في الولايات المتحدة عدد حالات الصدمة ذات المنشأ الخمجي بنحو 250 ألف كل عام, وينتهي نصف هذا العدد بالوفاة. يعمل القلب بشكل سوي في هذا النمط من الصدمة وتتلقى الجملة الدورانية كمية كافية من الدم، إلا أن الشرينات لاتستجيب للإشارات المقبضة للأوعية، ويستمر الضغط الدموي في الانخفاض.

ومما يسهم في إحداث الصدمة في هذه الحالات زيادة نفوذية الشعريات وتسرب السوائل من الحيز الوعائي إلى المسافات الخلالية، مما يؤدي إلى مزيد من نقص حجم الدم ولزوجته وتركزه concentration. ويسبب بطء الدوران في الشعريات وزيادة لزوجة الدم إلى زيادة قابليته للتخثر، مما يهيئ لتشكل الخثرات ضمن الأوعية الشعرية، وهو ما يدعى التخثر المنتثر ضمن الأوعية disseminated intravascular coagulation الذي يزيد من نقص اكسجة الخلايا ويفضي إلى موتها. وكثيراً ما يترافق التخثر المنتثر بالنزوف المعممة الناتجة عن زيادة استهلاك عوامل التخثر ونضوبها، وهو ما يسمى: الاعتلال الخثري الاستهلاكي consumption coagulopathy.

ـ يضيف كثير من المؤلفين إلى الأنماط الثلاثة للصدمة والتي سبق ذكرها نمطاً آخر دعوه: النمط الانسدادي obstructive، ينجم عن وجود عائق في أحد أجزاء الجملة الدورانية يعرقل تدفق الدم, وأهم الأسباب المؤدية لذلك الصدمة الرئوية الكبيرة والتهاب التامور pericardium العاصر والسطام (الاندحاس) التاموري tamponadeالتي تقلل تدفق الدم outflow من القلب بسبب نقص امتلاء الأجواف القلبية.

قد يؤدي نقص تروية الأنسجة ونقص أكسجتها التالي لذلك وما يرافقه من انطلاق الوسطاء الكيماوية إلى تأذي الأعضاء الحياتية، كالرئتين والقلب والكليتين، وخلل وظيفتها وتدعى هذه الحالة: متلازمة خلل وظيفة الأعضاء المتعدد multiple organ dysfunction syndrome (أو قصور الأعضاء المتعدد multiple organ failure). يصيب الخلل الوظيفي بادئ الأمر الرئتين، ويتجلى ذلك بحدوث متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS) acute respiratory distress syndrome) ويتلوه بعد ذلك خلل وظيفة بقية الأعضاء كالقلب والكليتين والكبد. تتأذى مخاطية الأنبوب الهضمي في الحالات الوخيمة من الصدمة مما يسمح للجراثيم والذيفان الداخلي endotoxin الموجودة في اللمعة بالمرور إلى الدوران وحدوث الإنتان الدمويsepticemia والحمى. ومن المظاهر الأخرى لتأذي الأنبوب الهضمي النزوف الهضمية، والتهاب القولون الإقفاري، والتهاب المرارة اللاحصوي وانسداد الأمعاء الشللي.

تدبير الصدمة


يجب تشخيص حالة الصدمة والمبادرة إلى معالجتها بسرعة، لان التأخر في ذلك يهيئ لحدوث قصور الأعضاء المتعدد MOF. ويعتمد تدبير هذه الحالة على الأسس التالية:

ـ المحافظة على سلوك المجاري التنفسية واعطاء الاكسجين، وقد يتطلب الأمر وضع مسلك هوائي airways في الفم والبلعوم أو تنبيب الرغامى (وضع أنبوب فيها).

ـ معالجة السبب الذي أدى للصدمة مثل تعيين مصدر النزف وارقاؤه (جرح نازف، قرحة هضمية نازفة) ومكافحة الخمج في حالة الإنتان الدموي، ويجب في هذه الحالة التفتيش عن مصدر الخمج بكل الوسائل المتاحة، وتعيين الجرثوم المسبب، وتعديل المعالجة بالصادات في ضوء حساسية الجرثوم.

ـ تعويض نقص الحجم الذي يزيد من نتاج القلب output وهو أمر مهم في صدمة نقص الحجم، إلا أنه واجب أيضاً في الصدمة الانتانية والصدمة التأقية بسبب التوسع الوعائي الذي يحدث فيها. يجب أن يتم تعويض نقص الحجم بسرعة (خلال دقائق أو ساعات) تجنباً لحدوث قصور الكلية، إلا أنه يجب الاحتياط من حدوث فرط الحجم volume overload الذي يهيئ لحدوث وذمة الرئة. يتم تعويض حجم الدم بإعطاء الدم الكامل أو المصول الملحية أو المحاليل الغروانية colloid solution التي يستمر تأثيرها في زيادة حجم الدم مدة أطول.

ـ مقويات العضلة القلبية inotropic agents. يُضعِف نقص الاكسجة قدرة العضلة القلبية على التقلص (القلوصية contractibility) مما يستدعي إعطاء مقويات العضلة القلبية مثل الأدرينالين والنورادرينالين، إلا إن أكثر مقويات القلب شيوعاً هي الدوبامينdopamine والدوبكسامين dopexamine والدوبيوتامين dobutamine. وقد يتطلب الأمر إشراك أكثر من دواء واحد من هذه المجموعة مثل إعطاء النورادرينالين مع الدوبامين

ـ مقبضات الأوعية vasoconstrictors وبخاصة الفازوبرسين، وهو هرمون تفرزه النخامى، إذ بينت الدراسات الحديثة أن له تأثيراً جيداً في صدمة التوسع الوعائي ورفع الضغط المنخفض.

الصدمة : أنواعها و تدبيرها مراجعة أسرة التمريض يوم 7:58 م التقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.