التمريض بالمغرب : أنبل المهن أحقرها
مكاشفة مع الذات و المحيط
الممرض؟؟
يعتبر التمريض من أقدم المهن في تاريخ البشرية، فتقديم الدواء و السهر على علاج المرضى و المصابين اعتبرته البشرية من أنبل ما يمكن أن يشتغل به الإنسان لدرجة إطلاق أسماء عدة على الممرض وصلت الى الدرجة السماوية كملائكة الرحمة و هي مسميات تختزل معاني النبل و سمو المكانة الكبرى و العظمى في نفوس جميع البشر على مر العصور.
عبر التاريخ و بتطور الزمان و المكان و الاحقبة و العصور تطور التمريض أيضا فمن الضمادات الطبيعية و العلاج بالأعشاب و المساحيق و الخلائط إلى مفهوم العلوم التمريضية و المهام الخاصة بالممرض و دوره المحدد، مرورا بطب الحرب خصوصا ابان الحربين العالمتين حيث ازداد دور و أهمية الممرض تجدرا و طلبا و بدأت تحدد الإرهسات الأولى لبزوغ فجر الاستقلال التمريضي، حيث أخضعت لأول مرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية المدارك التمريضية للبحت و التمحيص المخبري و العلمي مما أفرز ظهور العلوم التمريضية كمنهج علمي و عملي و فكري مستقل و كامل الأهلية العلمية في المبحت و المدرك و الغاية العلمية عن الطب.
نظرة على تاريخينا..
مسلمة هي أن الممرض المغربي يعد أكثر الفئات عددا وكما بوزارة الصحة و أكثرها إنتاجا للخدمات الصحية و أكثرها كذلك توزيعا و تواجدا عبر التراب الوطني، كما لا يختلف اثنان في كون الممرض شريان و عصب المنظومة الصحية التي لا يمكن أن تستمر في تقديم خدماتها بدون تواجده. غير أن حياة الممرض بالمغرب منذ فجر الاستقلال إلى حدود أيامنا ظلت على هامش التاريخ، حيث الأدوار المنوطة به لم تتغير كثيرا في حمولتها الكبرى، قوامها الخضوع والخنوع لنظام صحي يمليه و يسيره و يقوده الطبيب الذي كان و لا زال عصب وزارة الصحة و محور اهتمامها و مركز مبادراتها و مشاريعها، إن لم نقل وزارة الأطباء لا غير. بينما الممرض في شقاء و الجهد و الجلد ينعم و يقاصي الأمرين. فمن الممرض المتنقل عبر الحمار بين الدواوير لمحاربة الأمراض الفتاكة و القاتلة مرورا بالممرض المكافح في نطاق برامج الصحة العامة للقضاء الطاعون و الجدري و الحمى القلاعية و الملاريا و الكوليرا الخ وحده بدون تكوين ملائم و لا مستمر، و في مكان لا طير يطير فيه و لا وحش يسير المهم لديهم هو أن يتم القضاء على الأوبئة و الأمراض الفتاكة عاش الممرض أو مات لا يهم.. وصولا بعد ذلك بسنين عبر نضال مستميت قدم فيه الممرض البطل الغالي و النفيس و ربما فدى مطلبه من اجل الكرامة من حرية جسده و ذلك في الإضرابات الوطنية التي كانت تعلن عنها الإطارات النقابية الوطنية منذ سنة 1978 مما أدى إلى إعادة تأهيل حقل و دور الممرض في العشريتين الاخيرتين من القرن الماضي، و ذلك خصوصا مع بروز جيل نهضة جديد من الأطر التمريضية المكافحة و الغيورة التي حاولت بكل حياتها و إيمانها النضالي أن تطور من تواجد و مكانة و دور الممرض من مجرد حمالة حطب و وقود شعالة للمنظومة الصحية من اجل إنجاح فشلها وفق ما يريده و يؤطره الأخ السي الطبيب مدلل وزارة الصحة إلى المطالبة العادلة و المشروعة بوضعية اعتبارية و مهنية و اجتماعية أفضل و أجود. و هذا ما تأتى بفضل نضال الشغيلة الصحية و التمريضية و ما قدمته و أفدته بالاستماتة و التدافع النضالي للنقابات الوطنية بقطاع الصحة.. فكان أن أعيد النظر في نظام التكوين إلى 3 سنوات بدل سنتين و فتحت درجتين جديدتين و تمت الترقية الاستثنائية و فتح مسلك التكوين المستمر بالسلك الثاني و تم تخويل الممرض الحق في استكمال التكوين في المدرسة الوطنية للإدارة الصحية.
وضعيتنا و واقعنا المرير..
إن الوضعية الاعتبارية للممرض عبر العالم خضعت للكثير من التجويد و التحسين و استثمرت الدول الكثير من رؤوس أموالها في تطويرها و الرفع من أسسها و دعائمها العملية و العلمية إلى درجة أن مهن التمريض الآن في العالم المتقدم و المتطور هي علوم مستقلة بذاتها و هويتها عن الطب، لها مباحثها الخاصة و نهجها التمريضي الخاص بها ، لدرجة إقبال و تنامي الطلب على دراسة التمريض و الاشتغال به لما للمهنة من قيمة عظمى ماديا و معنويا و اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا.. فيكفي أن يقع عليها الاختيار كأحسن و أنبل المهن بالولايات المتحدة الامريكية.
أما بين ظهرانينا فمازال ل 28000 ألف ممرض و ممرضة بالمغرب يكابدون الأمرين من اجل إثبات الذات و النهوض بممارسة مهنة طالها نسيان البرامج الحكومية و أهملها وزراء الصحة المتعاقبون. على اعتبار ان الممرض ما هو الا حطب جهنم لإنجاح السياسة الصحية المغربية المبنية على أساس تبعية الكل للطبيب و عطف الممرض دائما على الطبيب لأن الوزير طبيب و الكاتب العام طبيب و مدير الإدارة المركزية طبيب و المدير الجهوي للصحة طبيب و المندوب الإقليمي طبيب و مدير المستشفى طبيب و رئيس القسم طبيب و حتى مدير مدرسة تكوين الممرضين فهو كذلك طبيب.
فبالرغم من كون كل هذه المناصب هي للتسيير و التدبير لا للتطبيب، وبالرغم من تواجد ممرضين و ممرضات أكفاء و في درجة عالية من التكوين و التأهيل في التسيير بنفس دبلومات الأطباء المسؤولين يمكنهم كدالك تأدية هذه الأدوار على أكمل وجه لكن "لمن تعاود زابورك أ الممرض"؟؟ لأن انبل المهن احقرها بالمغرب. لينضاف إلى كل ما سبق غياب القوانين و المهام المحددة بالممرض و غياب التكوين المستمر و سبل التحفيز و الحد من فرص استكمال الدراسة و التكوين في مجال التمريض و غلق أفق التطور و الارتقاء في المهنة و المزاولة في ظروف كارثية ملئها الخصاص في الموارد البشرية و سوء التوزيع الجغرافي و تطاول السهل على كرامة وحق الممرض.
الحل الآن و هنا..
ليس للممرض المغربي من حل من اجل إحقاق هويته و كرامته و النهوض بوضعيته غير تقفي آثار آبائه و إخوانه العظام في النضال الشريف و العفيف الذي أطرته النقابة الوطنية للصحة العمومية منذ 1978 نضال سجله التاريخ بمداد من فخر و اعتزاز بطولي.
ان المدخل النضالي الأصوب و الصحيح يجب أن ينبني على عدم التفريط في المكتسبات و أولها تنفيذ ما تبقى من اتفاق ابريل 2007 و محضر اتفاق 5 يوليوز 2011 بين الحكومة و النقابات القطاعية. مكسب تشارك في تحقيقه جميع الممرضين و الممرضات إبان انتفاضة الممرضين بالمغرب 2011 و 2014 من اجل الكرامة و الهوية. نضال يجب أن يستحضر و لا ينسى أبدا التضحيات الجسام للممرضين و الممرضات على مر التاريخ و كيف تطورت مطالب الممرض إلى يومنا دون أن ننقص أحدا من حقه و قيمته.
المعادلة العلمية و الإدارية هما الحل..
إن المطالبين الخاصين بالمعادلة الإدارية و العلمية لدبلومات ممرض مجاز من الدولة يعد إحدى ركائز محضر اتفاق 5 يوليوز 2011. فمن شأن نضال القوى و الضمائر الحية من اجل تحقيقهما أن يخضع وضعية الممرض للترقية و الرقي و ذلك من خلال مماثلة دبلوماته بالشهادات الجامعية المماثلة في نظام التكوين الجامعي ال ام دي. هذا الجانب سيفضي حتما إلى وضع اللبنات الأولى في مسار إقرار العلوم التمريضية و فتح التكوين و البحث العلمي فيها. و بالتالي تطوير مجال تدخل الممرض و اخضاعه للظوابط العلمية و التطور العلمي الاني في العلوم التمريضية، مما سيمكن من الرفع من أداء الممرض و جودة الخدمات التمريضية المقدمة.
أما بالنسبة للمعادلة الإدارية عبر ترقية الممرضين و الممرضات الى السلالم الملائمة في 10 و 11 و إضافة درجة خارج السلم و حذف السلم 9 اجراءات من شأن إقرارها الرقي و النهوض بالوضعية المادية و الاجتماعية المتدنية للممرض المغربي و تحفيزه على العطاء و البدل اعترافا بالأدوار و تضحياته الجسام عبر التاريخ إلى يومنا هذا.
النضال و لا شئ غيره
النضال الوحدوي و الجماهيري كالجسد الواحد هو وحده الضامن و الكفيل بتحقيق مطالب فئة الممرضين العادلة و المشروعة. فمن شأن إيجاد لحمة نضالية متماسكة و قوية عبر تنسيق نقابي محكم و شامل و محدد المعالم و الضوابط يستمد قوته من شرعية المؤسسات النقابية بقطاع الصحة التي حازت على 70 في المئة من ثقة الأطر في أخر انتخابات مهنية . إن جمع شمل الطاقات التمريضية المناضلة للمطالبة بالتنفيذ الفوري و اللامشروط لاتفاق 5 يوليوز 2011 و خاصة المعادلتين سيخلق دينامية تمريضية جديدة مواكبة للعصر مبدعة و خلاقة مع ما يتطلبه من ضروريات الحياة العملية لممرضي القرن 21 و من شأنه حتما و قطعا إخراج الممرض المغربي من قوقعة أحقر المهن إلى أنبلها.
ممرض راسك ديما لفوق
حمزة ابراهيمي
ممرض
التمريض بالمغرب : أنبل المهن أحقرها
مراجعة أسرة التمريض
يوم
1:03 م
التقييم:
ليست هناك تعليقات: