آخر المواضيع

تمريض

التمريض و إحترام الإنسان




كنت طالبة جامعية حين توجه المعلم لنا بالقول :" لا تنسوا و أنتم ممرضو الغد أنكم ستؤدون رسالة إنسانية تفوق أي مهنة شرفا و تضحية.عليكم بتخطي حدود العرق و اللون و الدين. و تذكروا أنكم ستعتنون بإنسان مريض و هو أسير فرش أو إعاقة،لا هوية و لا دين له".

و كم تأثرت بما سمعت في تلك اللحظة فشعرت بوهن في إرادتي و تفكيري، و خلت أنني لم أخلق لتلك الوظيفة - الرسالة كما وصفها -  إذ عشت طفولتي مع من هم من ديني و لوني و عرقي إلى أن باتوا نافذتي الوحيدة و الأمنة، أطل منها بحذر على من كنت أسميهم :"الأخرون-المختلفون" .
لكن طموحي المهني كان الأقوى فلطالما كنت أرغب في أن أبرع و أتميز في مجالي، و أدركت حينها أنني لم أكن يوما خائفة من كنت أسميهم "الآخرون" بقدر خوفي من نفسي الجاهلة التي لم تختبر يوما غنى و تميز الآخر.
و لعل هذا الإنغلاق و التقوقع الدائم في المحيط الذي يشبهني يعود لمخاوف ولدتها الحروب الأهلية في وطني.

وها أنا اليوم وبعد عمل دؤوب على نفسي،أراهن بعزم على نجاح العمل مع المريض الإنسان أيا كانت انتماءاته الجغرافية و المذهبية  و العرقية، إذ تطالعني يوميا على أسرة المراكز الصحية و دور العناية وجوه تعبة،يائسة،تحاكي لون المرض و الموت وتتكلم لغة الألم و النزاع. فللمرض و الموت لون خاص، و للألم و النزاع لغة خاصة، لا يتأثران و لا يختلفان حسب لون و لغة البشر. و في الأوقات العصيبة، جميعها تناجي ربا واحدا، قديرا قادرا، على تلطيف الألم و تخفيف وطأة الموت..

اليوم، و بعد سنين من العمل، أستطيع إضافة نكهة نضوج شخصي على قول ذاك المعلم و أعلن : أمام وحشة المرض و رهبة الموت، كلنا سيان،كلنا متشابهون.ومن إختاره المرض ليكون أسير فراشه يحرر بدوره الممرض من قيود الخوف اللامبرر له،ليكون مؤهلا لنظرة ناضجة إلى حاجات المريض.

عصور مرت على وجود الإنسان على الأرض و كل يوم فيها يولد الألوف و يموت المئات،ويبقى الإنسان هذا اللغز العميق الذي تتصارع العلوم و الفلسفات لفهمه أكثر و لإيجاد الحلول لمشكله و عجزه.منها ما رفع من كرامة الإنسان و منها ما وضعها على مسار خاطئ فتلطخت و تشوهت.

و تأتي علوم التمريض لتزين الممرض/ة بحلة راقية تجعل منه رائدا في مجاله ، مطلقا العنان لفهم إنسانية الإنسان. و كذلك لتمنحه الثقة و القدرة على الغوص في الرابط العميق بين الحياة و الموت، فيتاهب إحتراما لقيمة و جمال الحياة و لوطاة و رهبة الموت. و لتجعل هذه العلوم من الممرض إنسانا فاعلا يحيط مريضه بإبتسامته و حنانه، مراهنا بعلمه و حكمته، و بثقة تامة، على إزالة حدة الألم.

بقلم : الممرضة لوسيا بلقيس الغريب

التمريض و إحترام الإنسان مراجعة أسرة التمريض يوم 2:01 م التقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.